مجتمع

في الزواج.. كيف يحدث الجفاف العاطفي؟

إحياء الحب ليس مستحيلًا، ولكنه يتطلب فهمًا ووعيًا ومجهودًا ومسئولية مشتركة من أجل إنجاح علاقة الزواج والفوز بزواج سعيد

future صورة تعبيرية عن الجفاف العاطفي بين الأزواج

إذا نظرنا نظرة تقريبية لأحد بيوت الأسر العربية، فسنجد أن هناك وصفًا للحياة العادية. فما هو الشكل العادي للحياة المصطلح عليه؟ سنجد بيتًا به زوج وزوجة وأطفال.. أبٌ يعمل لساعات طويلة، يريد توفير حياة كريمة لأهل بيته، وربما تتوالى الأيام ولم يرهم.. لم تجمعهم وجبة طعام سويا، ولا يعرف كيف سار يومهم.

وهناك بالطبع زوجة تهتم بالأطفال، ويبدأ يومها في الصباح الباكر والتجهيز للمدرسة، وربما إذا كانت تعمل، تسرع لعملها دون وجبة فطور تشحنها بالطاقة، وتنهي الدوام مسرعة للبيت لاستقبال الأطفال والبدء في الدوام الثاني في بيتها والانغماس في أعمال المنزل ومتابعة المذاكرة وباقي طلبات الأطفال، وربما تنام منهكة دون أن تدري، ولا ترى زوجها.

غياب التواصل

فمتى يتواصل الزوجان؟ ربما تكون الوسيلة الوحيدة هي رسائل باهتة ومحادثات تحتوي على طلبات للبيت، أو لوم وعتاب على نسيان مهمة منزلية، أو شكوى وتذمر.

فدون أن ندري، تختفي المودة بينهما، ويغيب الحوار، وتتثاقل الأنفس بالكثير من المشاعر السلبية، وربما من صورة أو أغنية نَحنُّ لحالة الرومانسية المفقودة ولا نعلم أين ذهبت، ونكتفي بلعن الزواج والمنظومة ككل، لكنه طريق تنعدم فيه الرؤية وتخيم عليه سحب باهتة.

فهذه هي حالة الجفاف العاطفي.. حالة من البرود والفتور في المشاعر بين الزوجين، تتجلى في غياب كلمات الحب وانعدام الاهتمام والاحتياجات العاطفية لكل شريك، وتراجع الرغبة في التواصل الوجداني. وقد يعيش الزوجان تحت سقف واحد، ولكن دون أي تواصل حقيقي، فيشعر أحدهما أو كلاهما بالوحدة والإحباط.

ماذا يحدث؟

لقد شرع الله لنا الزواج لهدف أساسي وهو السكن، والسكن معنى عميق جدًا ربما لا تجد له مثيلًا في باقي اللغات، فوجود الزوج والزوجة معًا مدعاة للشعور بالاطمئنان للنفس والاستقرار والراحة. فكيف تحوّل المعنى العملي الذي نراه في أكثر البيوت الآن لهذا الشكل الجاف؟ هل المشكلة في الزواج؟ أم المشكلة في هذا الزمان؟ أم المشكلة فينا نحن؟

كل زوج وزوجة بالضرورة تعاهدا على العيش بسعادة سويا لإنجاح هذه العلاقة التي لم تأتِ بالساهل أبدًا، فما أسباب فشل هذا العهد؟

غياب الفهم

نلاحظ أن الكثير ممن يقدمون على خطوة الزواج لديهم الكثير من الأحلام الوردية غير الواقعية عن الحب والزواج، وليس لديهم معلومات عن هذه الحالة إلا من المسلسلات والأفلام وربما وسطهم المحيط بهم في الأسرة.

ولكن هل يتم تعلم الزواج؟ هل يتم تدريب الرجل والمرأة على أدوارهم الزوجية؟ الإجابة بكل تأكيد: لا. فمجتمعنا يتعامل مع الزواج كأنه عملية آلية، سبقنا بها الكثير ويفعلها الإنسان والحيوان، فلماذا نصعّب الأمر؟ للأسف هذا هو المعتقد السائد عن الزواج: أنه شكل سهل وعادي فعله الكثيرون، إذًا لماذا أنا غير قادر على السعادة في زواجي؟ لا أحد سيجيب، وربما ينصحونك بالعيش والتأقلم، وأن كل البيوت تسير بهذا النمط.

ولا نصحو من هذه الغفلة إلا عندما ينهار البيت ويلوح الطلاق في الأفق. بكل الأحوال، الزواج علاقة شديدة النسبية والخصوصية، تقوم بالقدر الكبير على زوجين لديهما قدر من النضوج النفسي يؤهلهما للعيش معًا، لأن انسجام زوجين من بيئات مختلفة وثقافات مختلفة هو أمر صعب بالمناسبة، وليس سهلا كما يتوقع الكثير. وربما سنجد صعوبات كثيرة في طريق هذا الانسجام، وهو الشيء الطبيعي جدًا والإنساني جدًا، وليس دليلًا على فشلك ولا فشل العلاقة كما يشيع عند البعض.

سيطرة السلبية

تتضح الصورة أكثر أن هناك توقعات عالية جدًا من علاقة الزواج تصيب الكثير بالإحباط وربما الإعراض عنه أصلًا. ولكن عملية الانسجام هذه تتطلب المجهود الدؤوب من الطرفين والكثير من الصبر والتعلم لإنجاح هذه العلاقة التي منّ الله علينا بها لنكسب هديتها، وهي السكن.

ما نراه في البيوت العادية التي وصفناها في أول المقال هو حالة انفصال عاطفي، فلا يوجد حياة زوجية وتفاعل وحوار ومشاركة وود متبادل ولفتات لطيفة، ومشاركة في تربية الأولاد، وتهوين وتراحم كل طرف مع الآخر.

وحالة الانفصال هذه ليست طبيعية بالمرة، ولكن للأسف مع انتشارها والاستسلام لها أصبحت صورة نمطية عادية اعتاد الناس عليها، وثبتت الصورة الذهنية للزواج عبر الأجيال أنها منظومة غير ناجحة.

دعونا نفسر الأمر قليلًا.. عندما تسيطر الروح السلبية والنقد والتحفز وغياب التواصل العاطفي، الذي هو الترياق الشافي وصمام الأمان في الزواج، بالضرورة ستسيطر حالة كبيرة من السلبية على هذا الزواج. ويحاول كل طرف أن يجد لنفسه طريقًا للتنفيس، ربما الأصدقاء أو الأهل أو الشغل أو أي شيء يلهينا عن الحل الأساسي لهذه المشكلة.

أوضحت سو جونسون في كتابها «مساعدة الأزواج ذوي الصراعات الشديدة» معنى دورة الحياة السلبية وتأثيرها على الزوجين، فقالت إن دورتك السلبية مع شريكك عبارة عن نمط متكرر من الأفعال وردود الأفعال التي تؤدي إلى التصعيد، وهي متكررة بشكل متوقع.

فحالات الصراخ والنقد والسلبية وتراشق التهم بين الزوجين، بشكل كبير، يكون سببها هو الشعور بالوحدة والإحباط الشديد من العلاقة الزوجية. فكل زوج وزوجة بالتأكيد لديهما هدف واضح من الزواج، وهو حالة المشاركة التي تستحيل مع الوقت وتراكم المهمات والصعوبات.

مسئولية مشتركة

في الحقيقة، تهمة السلبية هذه لا تخص الرجال بمفردهم ولا النساء بمفردهم، فهي مسئولية مشتركة. كل طرف في الزواج لديه مسئولية حول فهم دوره وفهم نفسه ومشاعره أولًا، والحوار والتعبير المستمر للبحث عن حلول للراحة والعيش في سكن وهدوء مع الشريك.

والمسئولية هذه ربما تدفعهم لتسمية المشكلة والإمساك بها والإفصاح عنها. فهذه هي بداية الحل: أن نعرف لماذا نشعر بالمعاناة، وهل من حقي أن أحزن وأعاني، أم أنني لا أقدر نعمة الله علي وعليّ أن أتأقلم كما ينصح الكثير؟

بكل تأكيد، عزيزي القارئ، أشاركك حقك في أن تتألم وتحزن وتشعر بالإحباط تجاه علاقة زواجك التي تعاني من الانفصال والجفاف العاطفي، وليس هذا مدعاة لأن تهرب من العلاقة، بل بالعكس عليك أن تتحمل المسئولية ويكون لديك النية في بذل المجهود للإصلاح والتفهم.

من يبدأ؟

أعلم جيدًا أنه يدور في رأسك الآن هذا السؤال: من يبدأ بالكلام في مشكلة الانفصال العاطفي؟ الحقيقة، الإجابة هي أن من يبدأ هو من فهم أولًا وأنعم الله عليه بإدراك ما نحن فيه، ولا عيب ولا نقص فيمن بدأ ومن لم يبدأ. المهم أن نبدأ؛ فكل شريك هو طرف في العلاقة، والهدف هو العلاقة والحفاظ عليها. فابدأ عندما تشعر أن لديك مسئولية وحلًا ترسم به طريقًا لسعادة قلبك وقلب شريكك.

وبالطبع أن تبدأ خير من أن تشارك في جريمة إجهاض زواجك، لأن السكوت وأنت ترى الغيوم الباهتة تحلق فوق سماء بيتك هي جريمة كبيرة أتوقع أنك لا تريد المشاركة فيها ولا تحمل عواقبها. وبكل أسف شاهدت زيجات كثيرة كل طرف لم يفعل شيئًا سوى أنه استسلم وترك يده ولم يبادر، لأنه ينتظر المبادرة من الشريك الآخر، وكان هذا موتًا بطيئًا للأسف لعلاقة الزواج.

كيف نبدأ؟

سأضع معك بعض النقاط العملية التي ستضعك على الطريق لأخذ زمام المبادرة لحل مشكلة الجفاف العاطفي بينك وبين شريكك:

١- عبّر عن كل ما بداخلك بدون هجوم ولا نقد.. عبّر أنكم بحاجة شديدة لإعادة طائر الحب بينكما، وأنه مهما كانت هناك مشكلات ستجدون حلًا وأنتما سويًا.

٢- ذكّر نفسك أن زواجك وشريكك يستحق فرصة، وأنه هو أيضًا بحاجة لذلك، وأن المسئولية تدعوك للعمل من أجل إعادة الحب.

٣- خطط لوقت بجودة مع شريكك.. اتفقا على وقت في اليوم حتى لو كان نصف ساعة تجلسان معًا بدون موبايل وبدون مشغوليات أخرى.
استمعا إلى بعضكما البعض: كيف كان يومكما؟ كيف كان الأولاد اليوم؟ تبادلا كلمات التشجيع والتهوين والدعم الإيجابي.

٤-فعّل نمط السماع النشط.. أعطِ لشريكك المجال أن يشارك، وأن تسمع بدون أن تبحث عن حل أو تلقي عليه اللوم أو تنهال عليه بالنصائح.. فقط أشعره أنك معه وتشعر بما يشعر به، وأنك هنا لمساندته ومساعدته.

٥- العمل والمسئوليات لا تنتهي، لذلك ضع وقتًا لكل شيء، وضع لشريكك وقتًا مخصصًا، وليس الفائض من الوقت، فهذا يشعره بأهميته عندك.

٦-  أنا أقدّر.. أنا ممتن. على مدار اليوم تبادل مع شريكك عبارات ورسائل فيها هذه الكلمات على أفعال بسيطة قام بها لأجلك.
على سبيل المثال: «ممتن جدًا لمشاركتك معي مسلسلي المفضل.»
«سعيد جدًا أنك اهتممتِ بمكالمة أهلي.»
«سعيدة جدًا عندما تركت لي نوع الشوكولاتة المفضل في حقيبتي.»

٧- خطط لوقت منفرد مع شريكك بدون الأولاد، حتى لو كان في وقت نومهم، والجلوس معًا واسترجاع ذكرياتكما الجميلة، وتبادل المشاعر اللطيفة التي تخفف من تعب اليوم على كل منكما.

٨- أشعر شريكك دائمًا أنك وهو في مركب واحد، يحزنه ما يحزنك، ويسعده ما يسعدك.

٩- لا تفرّط في يوم عطلة أسبوعي تنعم به بأسرتك وقضاء وقت ممتع سواء داخل البيت أو خارجه. المهم أن تكونوا معًا.

١٠- لا تراكم بداخلك.. بكل تأكيد سيحصل ما لا نحبذه وستقع بعض المشكلات البسيطة، تكلم عنها في وقت مناسب، وشارك ما تشعر به أولًا بأول حتى لا تصل لحالة انفجار غير مفهومة وغير مأمونة العواقب.

١١- خطط لنشاط مشترك تقومان به معًا، حتى لو كان إعداد وجبة أو كعكة يوم العطلة، فهذا من شأنه استعادة الروح الجميلة بينكما، والمشاعر اللطيفة التي تحتاجانها بكل تأكيد.

١٢- عزّز الإعجاب بشريكك.. دائمًا نكون على استعداد للإمساك بالنقاط السلبية، ولكن نريد هنا الإمساك بالنقاط الإيجابية في شريكنا لكي نُفعل ثانية الإعجاب المستمر الذي سيعيد وصلات تواصلنا العاطفي ثانية وتحيا المشاعر من جديد.

وأخيرًا

إحياء الحب ليس مستحيلًا، ولكنه يتطلب فهمًا ووعيًا ومجهودًا ومسئولية مشتركة من أجل إنجاح علاقة الزواج والفوز بزواج سعيد.

# صحة نفسية

الهشاشة النفسية: لماذا أصبحنا أضعف وأكثر عرضة للكسر؟
ينفذ الأشرار ما يحلم به الأخيار: الجانب المظلم من البشر
كيف أواصل حياتي أثناء نوبة اكتئاب عنيف؟

مجتمع